فسبحان الله ! فقد قال الله تعالى :وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى
خطبة (وما قدروا الله حق قدره) بتاريخ 14/4/1430
الحمد لله الذي له ما في..... يعلم ما يلج في الأرض...
حديثنا اليوم عظيم، لأنه عن الله الجليلِ العظيم، الملكِ العزيز الحكيم، لا إله إلا هو الحي القيوم.
(رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ
الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ)، (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي
الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
وقد قال تعالى عن نفسه: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي: ما عظّموه حقَّ تعظيمه.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود (رضي الله عنه ) قال: جاء حبر من الأحبار إلى
رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) فقال: يا محمد، إنا نجد أنّ الله عز وجل
يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء
والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله
(عليه الصلاة والسلام ) حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: (وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
سبحان الله، هذا الكون بما فيه من عظمة وإبهار، يكون يومَ القيامة على أصابع القويّ القهّار.
وروى مسلم عن عَبْد اللَّه بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ (عليه الصلاة والسلام ) : "يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ
الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ
الْمُتَكَبِّرُونَ، ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ
يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ
الْمُتَكَبِّرُونَ".
فسبحان من أتته السماء والأرض طائعة، وتطامنت الجبال لعظمته خاشعة، ووكفت
العيون عند ذكره دامعة، عبادته شرف، والذلّ له عزّة، والافتقار إليه غنى،
والتمسْكن له قوة.
ربنا العظيم كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً،
ويضع آخرين، يحيِ ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويشفي مريضاً، ويعز من
يشاء، ويذل من يشاء، سبحانه كل يوم هو في شأن.
سمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى سيداً
ونبياً، وأزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان،
وفلق البحر لموسى، ونجى هوداً وأهلك قومه، وجعل النار برداً وسلاماً على
إبراهيم، وشق القمر لمحمد، عليهم الصلاة والسلام.
إنه الله الرحيم الودود، من تقرب منه شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب
إليه ذراعاً تقرب من باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، فبابه مفتوح ولكن من
الذي يدخل!.
الحسنة عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة عنده بواحدة، فإن ندم
عليها واستغفر غفَرها له، يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل:
(قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ
تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
من علّق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدّث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب.
إليك وإلا لا تُشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدِث كاذب
ربنا العظيم أحاط علمه بالكائنات، واطّلع على النيات، عالمٌ بنهايات
الأمور، (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، يعلم ما في الضمير، ولا يغيب
عنه الفتيل والقطمير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ)، يبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، وهو فعّال لما يريد، لم يخلق الخلق
سُدى، ولم يتخذ من المضلين عضدًا.
يدخل موسى وهارون على رأس الكفر والطغيان فيهابا ويخافا، فيناديهما ربهما:
(إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).. ويلتجأ رسول الله (عليه الصلاة
والسلام ) ومعه الصديق إلى الغار ويحيط بهما الكفار فيقول أبو بكر: يا رسول
الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا؟! فيقول له: (لا تحزن، إن الله معنا).
وتدخل خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها على رسول الله(عليه الصلاة والسلام )
تشكو زوجها، وتخبره سرّها، وعائشة رضي الله عنها في طرف البيت لا تسمع إلا
همسًا، ولا تعلم حِسًا، فيسمعها الله من فوق سبع سماوات، ويقول: (قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ).
وتجتمع عائشة وحفصة، فتخبر إحداهما الأخرى بسر رسول الله (عليه الصلاة
والسلام ) ، فيسمع العليم الخبير كلامها، وينبّأ به رسوله (عليه الصلاة
والسلام ) ، (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا
فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ
وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ
هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).
فسبحان من علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، الورقة تسقط
بعلمه، والهمسة تُنبَس بعلمه، والكلمة تُقال بعلمه، والنية تُعقَد بعلمه،
والقطرة لا تنزل إلا بعلمه.. (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا
يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ
الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).. (وَمَا
يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي
السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ).
النجوى عنده جهر، والسرّ عنده علانية، (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ
الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ
وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).
هذه بعضُ مظاهر عظمتِه سبحانه مما تتحمّله عقولنا، وإلاّ فعظمة الله وجلاله
أجلّ من أن يحيطَ بها عقل، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
فسبحانك يا ربنا ما أعظمك، وعلى من عصاك ما أحلمك، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، وما قدرناك حق قدرك، وما عظّمناك حق عظمتك.
- عباد الله، ما هي آثار عظمة الله في نفوسنا؟ هل عظمنا الله حقاً؟ أم أصبحت الدنيا أعظم في نفوسنا من ربنا؟
إن الكون كله ي