عصرنا الراهن عصر تحولات مدوخة ومثيرة وسريعة. عصر اتسم بالثورة التكنولوجية والاتصالية العارمة، التي لم تستطع مجاراتها ثورة أخلاقية ودينية وروحية معاصرة لها. العلم تطور بشكل مذهل، مما جعل الإنسان يكاد يفقد قواعده الروحية أمام اجتياح المادة. كأنما العالم اليوم منقسم إلى جنوب متخلف اقتصادياً وصناعيًّا وتكنولوجياًّ، وإلى شمال متخلف روحياًّ. وفي كلتا الحالتين فإن التخلف يعني الشقاء وانعدام الشعور بالأمان.
إن الجنوب المتخلف مادياًّ، والشمال المتخلف روحياً، يتعايشان في عالم واحد، تربط بينهما اتصالات حينية متكاثرة باستمرار، ويدخل العالم تدريجياً مرحلة تتصادم فيها الحضارات والثقافات، وتتحارب أنماط الحياة. الجزء المتخلف روحياً، بلغ أقصى النعم المادية، لكن الروح خواء. لم تصمد لديه المعتقدات والمرجعيات والأصول الدينية والثقافية، فتحصن بالمؤسسات السياسية الدستورية، تحميه من سطوة المجتمع التنين، بينما الجزء المتخلف مادياً استنجد بأديانه وقومياته وهوياته، يستنفرها في معركة بقاء: معركة حياة أو موت.
إن الصراع القادم بين هذين الجزئين لن يكون كما عرفناه - تقليدياً بين المصالح والأيديولوجيات فحسب، بل أغلب الظن أنه سيكون صراعاً جديداً بين الحضارات مثلما أعلنه صمويل هنتينجتون فهل سيكون النصر لهذا الجزء أم ذاك؟ ثم إن هذا الصراع الكوني المعلن، ستدور رحاه بين جزئين معوقين: الأول معوق روحياً، والثاني معوق مادياً، أي أن الأول يفتقد الغايات، والثاني يفتقد الوسائل، حسب تعبير المفكر الفرنسي آلن توران.
ونحن المسلمين؟
أين موقعنا.. وهل أعددنا لذلك الصراع ما استطعنا من قوة؟
الإجابة البسيطة هي أننا ننتمي كأمة إسلامية، إلى ما كان يسمى بالعالم الثالث، أو ما يسمى حاليا بالجنوب، أو البلدان النامية. فأغلب شعوب الإسلام وقبائله - ما عدا البوسنة والهرسك - تقع في آسيا وأفريقيا، وهما قارتان تقعان في الشطر الأقل حظاً من التنمية، والاكتفاء الذاتي والتصنيع، وهما مستهدفتان من الاستعمار والاحتلال، والاستغلال، والسلب، والنهب، على مدى قرون طويلة، كما أنهما تداولتا حضارات متميزة متعاقبة ثرية، ونشأت فيهما الأديان والثقافات، وتحركت المقاومات، وتبلورت الهويات. ونحن المسلمين بعض من هاتين القارتين، وفق الله فتوحاتنا الإسلامية إلى الامتداد على جزء هام من أوروبا منذ أول نزول المسلمين بالأندلس سنة 710م في حملة طريف، وفتحها سنة 711م على يد طارق بن زياد، بعد أن استقر الإسلام في أفريقية (القيروان).
ومن الجزيرة العربية انطلق الإسلام في المرحلة نفسها، أو قبلها بقليل، لنشر رسالة القرآن على ممالك فارس وبيزنطة، ثم تم فتح السند وغنم الإسلام البنجاب وكابول (713م) ثم شرع المسلمون يفتحون جنوبي فرنسا (714م).
فانتماؤنا كمسلمين إذن انتماء مزدوج جغرافياً، ولعلنا الحضارة الوحيدة التي تربط كحلقة وصل بين الجزء الأول والجزء الثاني. فالعالم الإسلامي الحالي يتحمل طبعاً قدره الجغرافي الصعب، لكنه محكوم عليه أن يعي قدره التاريخي الفريد. فالأمة الإسلامية تقع حضارياً بين هذا الجزء المتخلف روحياً، وذلك الجزء المتخلف مادياً، ورسالتها أن تقدم للإنسانية نموذجاً طريفاً وفذًّا من الحياة الصحيحة، تنصهر فيها الروح مع المادة في وفاق أمثل، وتمتلك فيها الوسائل دون التفريط في الغايات.
ليس هذا حلماً!
لقد تحقق في مراحل عديدة من تاريخ الإسلام ، والتقائه بالحضارات الأخرى، ونشأت دول مسلمة قوية تعددية - بالمفهوم الديني والعرقي والثقافي - متسامحة، متقدمة، ذات إيمان عميق بجوهر الشريعة، وكان سرّ عظمتها دائماً، في قدرتها على التوفيق بين الروح والمادة، بين الوحي والعقل، بين الغيب والمحسوس، بين الغايات والوسائل.
وبهذه العبقرية الفريدة التي ينبوعها القرآن والسنة، أثبتت حضارة الإسلام قدرتها على صهر الثقافات الثرية الأخرى في بوتقتها الإسلامية، وأمامنا أمثلة تاريخية عديدة، مثل نشأة الدولة المسلمة في فارس منذ معركة القادسية (633م)، ونواة الدولة المسلمة في مملكة بيزنطة منذ أن استولى معاوية على قبرص (649م) واستقرار الدولة المسلمة في المغرب ببناء مدينة القيروان (670م) ثم امتداد الفتح إلى الأندلس، وتكوين دولة مسلمة في أشبيلية (712م). كل هذه الأمثلة تعتبر فرعية كأنها أغصان الجذع أصلي هو الدولة الأم، مركز الخلافة المؤتمنة على الأمة، وقد انتقلت من المدينة المنورة أثناء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم، إلى دمشق أثناء الحكم الأموي، ومنها إلى بغداد على أيدي بني العباس، ثم ومنذ 29 مايو 1456م إلى القسطنطينية عاصمة الخلافة العثمانية، حتى 3 مارس 1924م، تاريخ إلغاء الخلافة الأخيرة وانتصار القوى النصرانية والصهيونية على آخر حصن جامع للمسلمين.
ونعود إلى مقال الكاتب اليهودي الأمريكي صمويل هنتينجتون، الذي يتوقع تطور صدام الحضارات خلال العقدين الأول والثاني للقرن الحادي والعشرين. فهو يتجاوز النظرية التي طرحها فرنسيس فوكوياما المفكر الأمريكي الياباني الأصل، والقائلة بنهاية التاريخ عند الواقع الكوني الراهن، بعد انتصار قيم الغرب الليبرالية والديمقراطية، واختفاء الشيوعية.
إن (هنتينجتون) يؤمن مثل (فوكوياما) أن التاريخ مات، والمقصود هنا هو تاريخ الحرب الباردة، والجدل القائم منذ سبعين سنة بين الاشتراكية والليبرالية، لكنه يعلن عن صراع جديد، لا بين العقائد السياسية، وإنما بين الحضارات، بل إنه يحدد مناطق التشابك الحالية، ويتنبأ بأنها ستتطور إلى ساحات صراع، بين أنماط حضارية متضادة، إن لم تكن تطورت بعد، مثل قضية البوسنة والهرسك، حيث يتقابل النموذج المسلم - وليس الإسلامي، فلكلا المصطلحين معنى خاص - بالنموذج الصربي الأرثوذوكسي.
ويعيّن هنتينجتون هذه المناطق المتشابكة فيقول: إن أهمها:
- شمال البحر الأبيض المتوسط بإزاء جنوبه (هنا تحتل المسألة الجزائرية مكاناً هاماً، مثلما رأينا في قمة الدول المصنعة الثمانية بمدينة نابولي الإيطالية 9-10 يوليو 1994م).
- جمهوريات الاتحاد السوفييتي المسلمة وجمهورياته المسيحية ( هنا الحرب الحقيقية دائرة مثلاً بين الأزر والأرمن، وبين الروس والطاجيك، وبين الروس والشيشان).
ويهمل هنتينجتون التحدي الأكبر المفروض على المشرق الإسلامي، بسبب توسع الدولة اليهودية، لا على حساب فلسطين وحدها، بل على حساب أراض عربية مسلمة عديدة، وبتطلعات استراتيجية واقتصادية وعسكرية وثقافية، تجعل في نظرنا المعركة الفلسطينية أخطر مواطن صراع الحضارات مستقبلاً، ويتجاوز حجم تلك المعركة مجرد رسم الحدود لنواة دولة فلسطينية، إلى أن يصبح مواجهة بين حق الإسلام التاريخي المكتسب في القدس، منذ الفتح الأول، وبين مشروع تشويهي دخيل، تتضافر فيه جهود الصليبية والصهيونية، لا لمجرد احتلال أرض، بل لتطويق دار الإسلام وتفجيرها من الداخل (مشروع السوق الشرق أوسطية، والنظام العالمي الجديد، ومخطط تحريف الأنهار عن مجراها، وبرامج تهويد المدن الإسلامية بفلسطين).
وإننا نعتقد أن إهمال الكاتب اليهودي لهذا الصراع القادم الحتمي، ليس بسبب نقص في ثقافته، بل هو إهمال مقصود عن أيديولوجية، لأن هنتينجتون يريد إيهام قرائه والرأي العالمي، بأن هذه المسألة محسومة، لأنه يضع الثقافة اليهودية، فيما يسميه المنظومة الثقافية الشرقية، التي يضع فيها الإسلام أيضاً، وهو ضرب من ضروب التضليل، يندرج في المخطط، بينما الواقع أن الثقافة اليهودية انفصلت في أواخر القرن التاسع عشر عن جذورها الشرقية، واندمجت في المشروع الاستعماري الإمبريالي الفكري والسياسي، ضد العدو المشترك: الخلافة الإسلامية (انظر كتاب الدولة اليهودية لثيودور هرتسل).
وهذا الكتاب الذي عربه وقدمه الأستاذان عدس وغنيم، ظل بدون ترجمة عربية منذ صدوره عام 1896م ! وهو يفصح قبل قرن، عن عملية قطع حبل السرة بين اليهودية وجذورها الشرقية، لكي تتحول إلى "الصهيونية" وتصبح رأس حربة المشروع الغربي المسيحي، لابتلاع دار الإسلام، ويشرع مهندسو الإمبراطوريات الفرنسية والبريطانية، في الترويج لمصطلح "الحضارة المسيحية - اليهودية"، وتوضع في لغات أوروبا مئات المؤلفات، وتعقد مئات الندوات، للتبشير بهذا المولود اللقيط المشوه، الذي يجمع بين الضد والضد، ويتناسى الجميع تراثاً عملاقاً من القهر والإبادة والعنصرية، والكراهية، بين المسيحيين واليهود، بدأ بالمفهوم النصراني لصلب السيد المسيح، ومرّ بكارثة إحراق اليهود في الأندلس في محاكم التفتيش مع المسلمين عام 1492م، وانتهى بفاجعة هتلر والنازية (1939 - 1945م). والعجيب أن اليهود في تاريخهم هذا، لم يجدوا ملجأً ومستجاراً إلا عند المسلمين.. وأحداث الهجرات اليهودية إلى إسلامبول، ومدن المغرب الإسلامي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر معروفة، سجلوها بأنفسهم قبل أن يسجلها المسلمون.
إن الذي يطالع كتاب (أعمدة الحكمة السبعة) لضابط المخابرات البريطاني الذي قاد ثورة الشريف حسين، ضد الخلافة العثمانية، يكتشف بعض الحقائق التاريخية التي اتضحت أبعادها مع مرور الزمن في هذه النقطة بالذات.
فلورانس يكتب عام 1916م حرفياًّ: "لقد طلبت مني وزارة الخارجية البريطانية، أن أرسل نسخة من كل تقرير أكتبه إلى السيد روتشيلد" - أكثر اليهود ثراءاً في أوروبا، ورجل المصارف وزعيم الحركة الصهيونية الاقتصادية - ويضيف لورانس متسائلاً: "ولم أفهم بالضبط القصد من تلك التعليمات…".
هذا وقع عام 1916م، ونحن فهمنا بعد سبعين عاماً القصد من تلك التعليمات، ويكفي أن نلاحظ أن الأحداث الواقعة مباشرة بعد الثورة العربية - في الحقيقة الحجازية - جاءت كالتالي:
1916 - معاهدة سايكس - بيكو ، لاقتسام البلدان العربية.
1916 - ترقية مصطفى كمال أتاتورك إلى رتبة لواء، ومنحه لقب الباشوية.
1917 - البريطانيون يحتلون بغداد، وألنبي الجنرال الإنجليزي يحتل القدس.
1917 - كذلك وعد بلفور، بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
1918 - لورانس يدخل دمشق مع فيصل بن الحسين.
1918 - كذلك اندثار الخلافة العثمانية من كل البلدان العربية.
1920 - الفرنسيون يطردون فيصل من سوريا، ويحتلونها ويحتلون لبنان.
- البريطانيون يعلنون الانتداب - أي الاستعمار - على فلسطين وشرق الأردن والعراق.
وهل يفيد أي تعليق على هذا المسلسل الساطع الناطق؟ وهو مسلسل تمتد حلقاته إلى يوم الإسلام هذا، لكن الغلاف الخارجي، يتغير بتغير الأحوال. فالذي كان احتلالاً أو انتداباً، أصبح يسمى مقتضيات النظام العالمي الجديد، والذي كان تنصيراً مباشراً، أصبح ينعت بالتنوير، والذي كان اسمه استعمار الشعوب المسلمة، أصبح يكنّى بكنية لطيفة مستساغة، هي مقاومة الأصولية، والذي كان يعرف بالقضاء على اللسان العربي، أصبح اسمه الجديد: كونية الثقافة أو إنسانية المعرفة، ورأينا جنوداً من صلبنا وأبناء عمومتنا، تنطلي عليهم هذه المصطلحات الجديدة، فيهبون للترويج لتلك البضاعة المغشوشة، وهم غافلون، أو إن مصالحهم الشخصية الضيقة، ترتبط بالتوسع الغربي المتغطرس الفج.
منذ زمن قصير صدر كتاب المفكر الأمريكي بول كينيدي بعنوان: (الإعداد للقرن الحادي والعشرين)، وهو تأليف شامل يضم السياسة والاقتصاد والثقافة وعلم الاجتماع، في منظومة مستقبلية تطمح إلى الموضوعية، لدراسة مصير الإنسان، على ضوء التحولات المدوخة الكبرى في حياته ومواقفه.
والطريف في الكتاب أنه يفرد الحضارة الإسلامية، بفصل هام، يوضح فيه مدى قدرة حضارتنا في كسب سباق القرن القادم، وعناصر قوتها ونقاط ضعفها. ويستعرض بول كينيدي مواطن الصراعات الإسلامية الداخلية والخارجية، ويقول: إن أبرزها المعضلة الفلسطينية، ومشاكل عقائدية حدودية بين عدد من البلدان المسلمة، ومشاكل أقليات عرقية أو دينية في بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة..ويلاحظ المفكر الأمريكي، أن أبرز عراقيل التنمية في هذه البلدان هي عدم المواءمة بين التعليم والمجتمع، وتخريج خبرات لا توظف بعد تحصيلها على الشهادات، وعدم الاهتداء إلى مناهج حكم توفيقية في أغلب البلدان، وانشغال بعض الدول بالاقتصاد التعبوي (وضع العراق وإيران من 1980 إلى 1988م) إلا أن بول كينيدي ينتهي إلى خلاصة نعتقد أنها ذكية وحقيقية، فيقول: إن العالم الإسلامي يفتقد "ثقافة المشروع"، وهو مصطلح أمريكي يشير إلى انعدام رؤية مصيرية متكاملة، أي تحديد مسبق لغاية التنمية والتقدم، ثم السعي لتنفيذها بوسائل التربية، والمؤسسات الاقتصادية، والتطور الاجتماعي.
وينتقد الكاتب أفكار جل الملاحظين الغربيين الذين يقولون: إن أسباب تخلف العالم الإسلامي تعود إلى معوقات تاريخية وحضارية - وهم يقصدون طبعاً التفسير الاستعماري الجائر، بأن الإسلام مضاد للعلم - فيرد عليهم بول كينيدي، بأن "الإسلام ولقرون قبل النهضة الأوروبية، قاد العالم في الرياضيات وعلوم رسم الخرائط والطب، والعديد من وجوه العلم والصناعة، كما ضم هذا العالم مكتبات وجامعات ومراكز، في وقت لم تكن اليابان وأمريكا تمتلك شيئاً من هذا، ولم تكن أوروبا تمتلك إلا القليل…
وإني أردت الإلحاح على رأي هذا المفكر لما وصفه للحضارة الإسلامية من وصفة "ثقافة المشروع"، فنحن فعلاً نحتاج إلى ثقافة المشروع، لأننا في الواقع نمتلك الوسائل، فلدينا الخبرات التي ندخل بها سباق الحضارات.. وهذه الخبرات المسلمة، سبعون بالمائة منها تعمل في جامعات أوروبا وأمريكا ومخابرها، ومراكزها، وأسباب هجرتها معروفة، وحلول عودتها معروفة، وهي في أيدي أهل الحل والعقد، ورهينة اختيارات سياسية، وجامعية معروفة كذلك، والزمن كفيل بتغيير هذه المعادلة، من نزيف الأدمغة، إلى إدماج الأدمغة، وتمكينها من الإنجازات والبحث والإسهام.
والقول بأن الإسلام والتخلف العلمي صنوان، هو قول أحمق يفنده التاريخ، وكذلك الحاضر الراهن، فلم يكن للعالم نصيب من العلوم التجريبية، إلا عندما نهض الإسلام وحده، بمغامرة النفاذ إلى أقطار السماوات والأرض… وغير صحيح أنه أخذ ذلك من الثقافة الإغريقية بعد تعريبها في بيت الحكمة، لأن التراث العلمي الإغريقي تراث يتسم بالتأمل في ظواهر الطبيعة، واستقراء تحولاتها، دون النفاذ التجريبي الذي استقاه العلماء المسلمون من نص القرآن، وإعلان استخلاف الإنسان في الأرض، وحثه على السعي والتدبر والتغيير. (ذلك بأن الله لم يكُ مغيّرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم )(الأنفال:53)، (كُلُّ امرئٍ بما كسب رهين )(الطور:21)، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأنّ سعيه سوف يُرى )(النجم:39-40).
ويكفي القول إن كتب الطب الإسلامي ظلت تدرس بجامعات أوروبا وخاصة فرنسا إلى القرن التاسع عشر، وكذلك كتب الرياضيات ، مثل كتاب الجبر الكبير للشاعر العالم عمر الخيام، والذي توصل إلى حل معادلات الدرجة الثالثة التي نسبت ظلماً إلى ديكارت - بعد الخيام بخمسة قرون - وكان المسلمون أول من أجرى عمليات جراحية على العين، وعلى الجمجمة مثلما دلت على ذلك اكتشافات أثرية بكل من بغداد والقيروان، ومثلماً تؤكده الكتب الطبية، وكان المسلمون كذلك أول من عالج الأمراض العقلية، بما يسمى اليوم علم النفس في زمن كان المرضى بهذا النوع من العلل، يحرقون في الكنائس، على أيدي الرهبان والقساوسة، كمصابين بحلول الشيطان في أرواحهم.
وكان أول بابا مسيحي مستنير هو سلفستر الثاني، الذي رحل من فرنسا للدراسة في جامعة قرطبة الإسلامية، عندما كان راهباً بسيطاً يدعى (جربير) وعاد لوطنه يبشر بالثورة العلمية والتكنولوجية، بمفهوم ذلك العهد، حتى ظنه مواطنوه مجنونًا !