the matreks المبدعون
عدد المساهمات : 345 تاريخ التسجيل : 16/06/2010 العمر : 34
| موضوع: [ تمنيت الصبر ] للشاعرة أغاريد السعودية الإثنين 2 أغسطس - 9:35 | |
| [ تمنيت الصبر ] للشاعرة أغاريد السعودية من ديوان لها اسمه ( صدى الذكرى ) اخترتها لتكون موضوعنا اليوم في سياحة قلم ..
أترككم مع القصيدة قبل السياحة والإبحار في موانئها.. و تفاعلكم معها ستكون المجاديف التي توصلنا إلى بر أمانها ..
فإلى القصيدة : [[ تمنيت الصبر ]] ان بطبعي اتوق للتعليق والشرح اكثر من الكتابة لان التعليق على النصوص يعطي جمالية للنص . وفي كل مرة الام من الادارة على ذلك لكني لا استطيع التغير . انه شئ يمشي في الدم لذلك سارافقكم في هذه الرحلة مع القصيده اخاكم ابو رامي
[
تمنيــت الصــبر قلبي يشيله .... وصـبري عـنه مالْقــا له وســـيلة ] [ أشوف الناس لا شفته قبالي .... واشوف الكون روحي تهــتني له ] [ وأعــاف الكل لا من غاب عني .... وروحــي ما تطيــق أحـدٍ بديـله ] [ تضيق الأرض في عيني وتصغر .... وأخفي حــسرة الروح العـليلة ] [ أنا ما انسى وداعي له ودمعـــي .... على الخـــدين يزداد بهميـــله ] [ وداعٍ حـــطَّـم اضلوعي وقلبي .... وجسمي عجزت اعظامي تشيله ] [ تسابق عــبرتي من فوق خــدي .... إليا من راح دمــعٍ جـــاء بديله ] [ واصــبِّر خــافقٍ من عــقب بعده .... يشـيل من العــنا ما هـدّ حـــيله ] [ أســلي خــاطري واكـف دمـــعي .... وامني النفـس بوعــود جـمـيله ] [ على ذكـــراه قضِّــيت الليـــــالي .... ولولاهــا ترى ما أعــيش ليـله ]
البداية من هنا ..
[ تمنيــت الصــبر قلبي يشيله .... وصـبري عـنه مالْقــا له وســـيلة ]
إذا تبحث شاعرتنا الفذة (( أغاريد السعودية )) .. عن الصبر .. ومن منا لا يبحث عن الصبر لملاقاة الحياة وهمومها بسلاحه وهي هنا عبرت بكلمة (( تمنيت )) مما يعني اليأس من حصوله فالتمني دائماً ما يكون في الأمر المستحيل حدوثه ثم هي لم تكتف بالصبر بل تمنت أن يقوى قلبها المكلوم على أن يحمل الصبر فالصبر لن يأتي وإن أتى فإن شكوك كثيرة تحوم حول القلب ومدى قدرته على حمله ( يشيله ) ثم تؤكد ذلك بالشطر الثاني : [ وصـبري عـنه مالْقــا له وســـيلة ] فلا وسيلة تجدي حتى وإن كان القلب ..
ولكي تبرهن على صدقها توضح مقدار غلا من تحب ومكانته عندها :
[ أشوف الناس لا شفته قبالي .... واشوف الكون روحي تهــتني له ]
فهو الناس بمجموعهم فوجوده يعني الأمان حيث لا تفقد أحداً من البشر حينما تكتحل عينها برؤيته بل أن الكون بما فيه تسعد به وتهنأ كذلك حينما تكتحل عينها برؤية محبوبها وهذا يعني أن غيابه غياب الناس غياب الأمان حتى الكون تضيق به ضرعاً فهو الناس وهو الكون وابتسامة الكون وسعادته وأفقه الرحب ..
[ وأعــاف الكل لا من غاب عني .... وروحــي ما تطيــق أحـدٍ بديـله ] [ تضيق الأرض في عيني وتصغر .... وأخفي حــسرة الروح العـليلة ]
ثم تعود لتؤكد المعنى السابق ولكن بصورة مغايرة وببيتين مقابل بيت واحد وهي بذلك تؤكد ذلك العشق الندي ففي البيت السابق تحدثت عن أثر رؤيتها له وهو بقربها أما هنا فتشرح وضع الغياب وحالته وموقفها من الناس ومن الكون الذي يحيط بها وبكل الناس الذين يحضرون وقت حضوره ويغيبون حال غيابه .. فهي هنا لا تكتفي بعدم رؤيتها لهم بل إنها تعافهم ولا تتحمل حضورهم (( وأعــاف الكل لا من غاب عني )) فهم في حال غيابه عن عينيها يكونون سراب لا حقيقة له وإن تراءى أمامها الجموع من الناس فإنهم لا يعدون كونهم سراب فهي تعاف الكل بل لا تطيق و لا تحتمل رؤية آخرين (( وروحــي ما تطيــق أحـدٍ بديـله )) فروحها توطنت على أنه كل الناس أما الكون الذي (( تهتني له )) حين الرؤية فإنه هنا يصغر ويضيق (( تضيق الأرض في عيني وتصغر )) و لا يُحتمَل حال الغياب وهي مع غياب الناس وضيق الكون تشعر بأنها تخشى أن يراقبها أحد على حين غفلة منها لذا تحاول جادة أن تحافظ على كبرياءها المذبوح حيث تحاول إخفاء الحسرة لكن كيف تخفى الحسرة وقد خرجت من روح عليلة .. ((وأخفِّي حــسرة الروح العـليلة )) ثم هاهي الروح العليلة تحكي واقعاً مريراً تفصل وتوضح حالها وقت الغياب حيث كانت قبل ذلك تبين واقعها ونظرتها لمن حولها ونظرتها للكون حال الغياب أما هنا فإنها تبدي آثار ذلك الغياب وتكشف الستار عن صورة الغياب في تفاصيل
أكثر إيلاماً تشعرنا بمدى الحسرة .. حسرة الروح العليلة .. حدودها .. بداياتها .. آهاتها .. زفراتها .. آثارها البادية على محياها .. على كيانها .. حيث تصف الوداع المر :
[ أنا ما انسى وداعي له ودمعـــي .... على الخـــدين يزداد بهميـــله ] [ وداعٍ حـــطَّـم اضلوعي وقلبي .... وجسمي عجزت اعظامي تشيله ]
ذلك الوداع الذي بدأ بدمعة ثم دموع منهمرة (( أنا ما انسى وداعي له ودمعـــي )) فالتأثير كان على العين التي علمت بالوداع قبل كل شيء قبل القلب .. الذي تحطم .. (( وداعٍ حـــطَّـم اضلوعي وقلبي )) بل حتى قبل الجسم الذي تهاوى عاجزاً وخارت قواه فلم يعد لعظامه حيلة في تماسكه (( وجسمي عجزت اعظامي تشيله )) فكما انهمرت الدمعة ولم تستطع الأجفان حملها كذلك العظام خارت قواها وسقط الجسم المجروح على خد الأرض كما سقطت الدمعة على صفحة الخد .. خد العاشقة المحبة .. وبين الدمعة والجسد قلب مسكين تهاوت الضلوع عنه يمنة ويسرة وتحطم (( وداعٍ حـــطَّـم اضلوعي وقلبي )) هو كذلك فلم يعد في حصن مكين فالضلوع التي تحميه تحطمت جراء تحطم الجسد المنهك ثم ما تلبث أن تعود للدمعة تصف واقعها حال الوداع وكيف أصبحت الدمعة دمعات تتسابق والعين كريمة .. ترسل الدمعة وراء الدمعة .. (( تسابق عــبرتي من فوق خــدي )) دموع غزيرة (( إليا من راح دمــعٍ جـــاء بديله )) حتى أن من يشاهد تسابقها على صفحة الخد يحسبها جياد في ميدان سباق ..
[ تسابق عــبرتي من فوق خــدي .... إليا من راح دمــعٍ جـــاء بديله ]
وهي مع ما تواجهه من انسكاب دموعها وانهماره الغزير تعاني لوناً آخر من معاناة الوداع ألا وهي آهات حراَّ وونّات كامنة تكاد تنفجر كالبركان الثائر لكنها تحاول ببقايا ما لديها من كبرياء أن تجابهها وتخفيها بل وتحاول إنكارها (( وأجــاحد ونةٍ باقصى ضــميري )) لكن هذه المحاولة البائسة تكاد تدفع ثمنها باهظاً ((خـطير القلب من صدري تزيله )) حيث أن جحد تلك الونَّـة يعني غليان في القلب .. يعني أن بركاناً على وشك أن يثور .. وإذا ثار لا تسأل عن القلب و لا عن مصيره .. [ وأجــاحد ونةٍ باقصى ضــميري .... خـطير القلب من صدري تشيله] (1) ثم تسدل الستار عن حال الوداع لتخفي خلفه آثار كثيرة لا تريدها أن تظهر لذا نجدها تنقلنا إلى مرحلة ما بعد الوداع وذلك بعد أن أيقنت برحيل الحبيب فهاهي تعيش حياتها حقيقة واقعة لذا تعود إلى بلسم جراحها الصبر الذي كانت تتمناه في البداية هاهي تعود إليه ولكن لا يعني ذلك أن الصبر أصبح ملك يديها ولكن هي تحاول ولما تحصل على أمنيتها بشكل متكامل لذا هي تعيش المحاولة : ( واصبِّر خافقٍ ) إذاً هي تحاول أن تواسي قلبها المكلوم بالتصبر .. فإن لم يكن هناك صبر فلعلها بالتصبر تحيا بقية حياتها مع معاناتها ومعاناة خافقها الذي أنهكته الجراح حتى أنه لم يعد يحتملها ((يشـيل من العــنا ما هـدّ حـــيله )) وتحاول عبثاً أن تسلي خاطرها وتكفكف أدمعها (( أســلي خــاطري واكـف دمـــعي )) على أمل لقاء يتجدد تنسى معه همومها وجراحها ومعاناتها ((وامني النفـس بوعــود جـمـيله )) فما زالت تمني نفسها (( بوعود جميلة )) لكنها تبقى أمنيات على اسمها والأمنية قلَّ بل يندر حدوثها .. إن لم يستحيل ..
[ واصــبِّر خــافقٍ من عــقب بعده .... يشـيل من العــنا ما هـدّ حـــيله ] [ أســلي خــاطري واكـف دمـــعي .... وامني النفـس بوعــود جـمـيله ]
وما دام أن الصبر أمنية لم تتحقق وما دام أن أمنيات (( بوعود جميلة )) أيضاً لم تتحقق مادام هذا واقعها إذاً عليها أن تعيش على الذكرى ((على ذكـــراه قضِّــيت الليـــــالي )) فالذكرى ليست حراماً و لا أمنية صعبة المنال بل هي علاج متاح وبلسم جراح فإن لم يكن (( صبر )) ولا (( وعود جميلة )) .. إذاً لا أقل من ذكريات جميلة عاشتها مع من تحب فهي السلوان ((ولولاهــا ترى ما أعــيش ليـله )) وهي الزاد لها في هذه الحياة :
[ على ذكـــراه قضِّــيت الليـــــالي .... ولولاهــا ترى ما أعــيش ليـله ]
وهنا عند الذكرى تحط الشاعرة أغاريد السعودية رحالها .. نكاد نراها وقد حطت رحالها على شاطئ الذكريات تتأملها مرة وتعيشها مرات لأنها وجدت فيها بلسماً فلسان حالها يقول : إن جلوسي على شاطئ الذكرى علاج نفسي استمد منه قوَّتي وتماسكي بل هو أكسير حياتي .
| |
|